الأخذ بالرخص تسهيل وتيسير وليس زندقة
قال لي أحد الفقهاء في محضر محشود بكبار العلماء، قد عقد للمناظرة في قولين بجواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق عند حصول هذا الحشد العظيم، حينما فتحت مشارق الأرض ومغاربها لحج بيت الله العتيق بالآلات الحديثة من السيارات والطائرات حتى ضاقت الأرض، فكان من قول هذا العالم: إن من تتبع الرخص تزندق. قاله بمسمع من جميع العلماء الحاضرين، حتى كأن التشديد والغلو من سنة الدين.
وخفي على هذا العالم أن هذه كلمة كبيرة عند الله، تنادي بإبطال سنة الله التي شرعها لعباده، صدقة منه عليهم ورحمة منه بهم، إذ الرخصة هي التسهيل، وهي ما ورد على خلاف أمر مؤكد لمعارض راجح، وضد الرخصة العزيمة، وهي الأمر المؤكد، ولما نزل قوله سبحانه: ﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ﴾ [النساء: 101]. ولما قيل للنبي ﷺ: ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمِنّا؟ قال رسول الله ﷺ: «هي صدقة من الله تصدق بها عليكم، فاقبلوا صدقته».
فقصر الصلاة في السفر رخصة، وفطر الصائم في السفر رخصة، وفطر المريض رخصة، والمسح على الخفين رخصة، والمسح على الجبيرة رخصة. أفيكون من عمل بهذه الرخصة زنديقًا؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - أحكام منسك حج بيت الله الحرام / الحجاج القادمون من جهة البحر على الطائرات إلى جدة - هل يصح إحرامهم بالحج من جدة أو لا بد أن يكون قبلها؟ - المجلد (2)