انتفاع الأموات بعمل الأحياء ليس هو إهداء ثواب الأعمال

لكن لنعلم أن هذا الانتفاع الذي أشار إليه شيخ الإسلام (يعني انتفاع الميت بعمل غيره) هو غير إهداء ثواب الأعمال، كما يعرف من كلامه؛ لأن إهداء ثواب الأعمال شيء وانتفاع الأموات بعمل الأحياء شيء آخر، ولا تلازم بينهما، من ذلك قوله في الـمادة الأولى: إن الإنسان ينتفع بدعاء غيره.. إلخ. وهذا حق ولم يأمر الله بالإكثار من الدعاء إلا لتحقق منفعته للحي والـميت، غير أن الدعاء عبادة بين العبد وبين ربه، التي خلق الله الخلق لأجلها، بل هو مخ العبادة، وقال ربكم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠﴾ [غافر: 60]. فسماه الله عبادة، وأخبر عن حالة الذين يستكبرون عن هذه العبادة أنهم سيدخلون جنهم داخرين صاغرين حقيرين ذليلين، وفي الآية الأخرى: ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡ﴾ [الفرقان: 77]. سواء حملناه على دعاء العبادة أو دعاء الـمسألة، فهو على كلا الحالين عبادة بين العبد وبين ربه.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة "مباحث التحقيق مع الصاحب الصَّدِيقِ " / فائدة منقولة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - شرح الكلمات - المجلد 5