الـمكارم منوطة بالـمكاره

(إن) ما يصيب الناس من مشقة الصيام في نهاية طول الأيام، وشدة الحر فيصفون الإسلام من أجله بأن شرائعه تكاليف شاقة. فهذا لا يقوله سوى ضعفة الأديان، الذين ينظرون إلى الأشياء بعين شهواتهم لا بعين عقولهم. وقد خفي عليهم أن الـمكارم منوطة بالـمكاره، وأن السعادة والصحة والعافية لا يُعبَر إليها إلا على جسر الـمشقة والتعب. والله سبحانه لم يوجب الصيام على عباده إلا لـمصلحة تعود عليهم في دينهم وأبدانهم، لأنه بمثابة الرياضة للبدن، وبمثابة الحمية التي تعقب البدن الصحة. والصوم زكاة البدن يزكو به ويصح به، كما في الحديث: «صوموا تصحوا» لأن في البدن فضولاً سيالة إذا بقيت في الجسم أفسدته. وبالصوم تنشف وتقوى العضلات، فيشتهـي الطعام باشتياق. أشبه تضمير الخيل للسباق. وبطريق الاعتبار نرى أن الـمتنفلين بالصيام الذين يصومون مثلاً الاثنين والخميس، ويصومون عشر ذي الحجة، ويصومون يوم عاشوراء، ويوم عرفة، مع صيام رمضان نراهم من أحسن الناس حالاً، وأصح الناس أجسامًا. لأن الله يمدهم بالقوة على أثر الطاعة، حتى يمتعون بالصحة وطول العمر.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من مجلد " الحكم الجامعة (1) " / (17) تفسير قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ﴾ [الحج: 77] - المجلد (6)