ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم تنفيذًا لأمر فهو الواجب

والحاصل أن ما كان من أفعاله (صلى الله عليه وسلم) تنفيذًا لأمر فهو الواجب، لكون اللازم هو الأمر لا الفعل، ومثله الاتباع الـمأمور به في قوله: ﴿وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]. فإنه لا يراد به محاكاة الفعل للفعل في الحال والـمحل، وإنما يراد به طاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألاّ يعبد الله إلا بما شرع. وهذا حاصل ما حققناه في رسالة يسر الإسلام في أحكام الحج إلى بيت الله الحرام حيث قلنا فيها بجواز الرمي قبل الزوال لكونه لم يثبت عن النبي ﷺ ما يدل على النهي عنه ولا على تحديد الوقت الذي يرمى فيه لا بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وإنما ثبت من فعل النبي ﷺ حيث رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس فهذا الفعل مع السكوت عنه لا يقتضي وجوب التحديد به، وغايته إنما يحمل على الأفضلية لا على الفرضية، فهو أفضل ما يرمى فيه عند تيسره، والحكمة في تأخير الرمي من النبي ﷺ إلى ما بعد الزوال أن حجه صادف حرًّا شديدًا حتى إن بلالاً يظلل عليه عند رمي الجمار فأراد أن يخرج للرمي ولصلاة الظهر، مخرجًا واحدًا كما ثبت في سنن ابن ماجه من حديث ابن عباس، أن النبي ﷺ رمى الجمرة ثم انصرف إلى مسجد الخيف فصلى بالناس الظهر فدل على أن الشارع رمى في الوقت الـمناسب له في ذلك الزمان، وهو لا يقتضي بمجرده وجوب ابتداء التحديد بالزوال فضلاً عن انتهائه بالغروب.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام " / الفصل السادس عشر - المجلد (5)