توسعة الحرمين ونقل المقام لتوسيع المطاف وجمع المصحف من المصالح المرسلة

قد ترك رسول الله ﷺ الـمسجد الحرام وهو شبه الصحراء ليس له جدران تحيط به ولا أبواب ولا سقوف، وهو أضيق منه الآن بكثير، وبقي على حالته كذلك زمن أبي بكر، فلما استخلف عمر واتسعت فتوح البلدان اقتضى رأيه توسيع الـمسجد الحرام، فهو أول من وسع فيه وجعل له جدرانًا تحيط به، وكذلك الـمسجد النبوي الذي بناه رسول الله بيده فجرى التصرف من عمر بتوسعته كما في البخاري من حديث نافع، أن عبد الله بن عمر أخبره أن الـمسجد كان على عهد رسول الله ﷺ مبنيًّا باللبن، وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة. ولم ينكر هذه التصرفات أحد من الصحابة لعلمهم الواسع وفقههم الراسخ أنها من الـمصالح الـمرسلة الـملائمة لمقاصد الشرع ومحاسنه، فالقائل بتحريم نقل الـمقام عن محله ووجوب استدامة بقائه على حالة ما كان عليه زمن النبي ﷺ، حتى ولو أضر بالناس يلزمه أن يقول بتحريم التصرف في الـمسجد الحرام بتوسعته وتحريم التصرف في الـمسجد النبوي بتوسعته؛ لأن هذا كله من لوازم قوله، وهذا يعد من التعنت والتزمت الذي يبرأ الدين من القول به والحكم بموجبه، ومثله القرآن الكريم، فقد توفي رسول الله وهو متفرق في اللخاف والعظام وصدور الرجال فتصدى الصحابة بعد قتل القراء باليمامة لجمعه في مصحف واحد حتى حصل من عارض هذا الرأي وقال: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ فقالوا: نعم، إنه لم يفعله ولم يأمر به، ولكنه لا يخالف شرعه، فهو حسن نافع. فاتفق رأيهم على ذلك وزال من بينهم الخلاف.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام " / الفصل الخامس عشر - المجلد (5)