الاختلاف في سبب قتال الكفار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قاعدة قتال الكفار:اختلف العلماء في قتال الكفار وهل سببه المقاتلة أو مجرد الكفر على قولين مشهورين للعلماء.
أحدهما: سبب المقاتلة هو الاعتداء على الدين وأهله، وهذا هو قول الجمهور كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم.
والثاني: أن سببه الكفر، وهو قول الشافعي، وربما علل به بعض أصحاب أحمد من أن السبب في القتال مجرد الكفر.
قال: وقول الجمهور هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ١٩٠﴾ [البقرة:190].
فقوله: ﴿ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ﴾ تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا، فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال، وقوله: ﴿وَلَا تَعۡتَدُوٓاْ﴾ فسره بعض العلماء بقتال من لم يقاتل وبالمثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ وأصحاب الصوامع وتحريق الأشجار وقتل الحيوان، فدل على أن قتال من لم يقاتل عدوان، وهذه الآية هي محكمة وليست منسوخة على قول الجمهور، ثم استدل بقوله: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193]. قال: والفتنة أن يفتن المسلم عن دينه كما كان المشركون يفتنون كل من أسلم عن دينه بصده عنه، ولهذا قال: ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾ [البقرة: 191].
وقوله: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ وهذا يحصل إذا ظهرت كلمة الإسلام وكان حكم الله ورسوله غالبًا، فإنه قد صار الدين لله.
وأما قوله (صلى الله عليه وسلم:) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». هو ذكر للغاية التي يباح قتالهم إليها بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم. وليس المراد منه أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية، فإن هذا خلاف النص والإجماع، فإنه لم يفعل هذا قط بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله. انتهى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - رسالة " الجهاد المشروع في الإسلام" - المجلد (3)