الأدلة على تغير الفتوى حسب الظروف
مما يدل على تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال ما روى الإمام أحمد وأبو داود والدارقطني عن عمرو بن العاص، أنه لما بُعث في غزوة ذات السلاسل قال: فاحتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله ﷺ ذكروا ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟!». قلت: نعم يا رسول الله، وذكرت قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا ٢٩﴾ [النساء: 29]. فتيممت وصليت. فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ولم يقل شيئًا، فدل هذا الحديث على أن سكوت رسول الله ﷺ عن الإنكار عليه هو حقيقة في الإقرار على فعله، وهذه مما تتغير بها الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال. إذ الأصل لواجد الماء أن يمسه بشرته، لقول الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ﴾ [المائدة: 6]. وفي الحديث «الصعيد وضوء المسلم إذا لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته».
ومثله ما روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان في أبياتنا رُويجلٌ ضعيف فخبث بأمةٍ من إمائهم، فذكر ذلك سعد لرسول الله ﷺ، فقال: «اضربوه حده»، فقال سعد: إنه أضعف من ذلك. فقال: «خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة» ففعلوا. ذكره ابن حجر في بلوغ المرام من أصول الأحكام، فقد عرفت كيف تغيرت فتوى رسول الله ﷺ من حالة الشدة إلى حالة التسهيل لتغير حالة هذا الشخص، إذ الأصل في الجلد في الحد أن يفرق على جسده ضربة ضربة موجعة، ونظرًا لضعف حاله جعله رسول الله ﷺ ضربة واحدة وبعثكول فيه مائة شمراخ، فماذا ترى يقول المعترض على هذه الفتوى؟!
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الرسالة الموجهة إلى علماء الرياض / تنبيه هام لذوي العلوم والأفهام - المجلد (2)