أفعال الحج بعد طواف الإفاضة تناسب التسهيل وعدم التشديد في التحديد
إذا طاف (الحاج) طواف الإفاضة، فقد تحلل التحلل الثاني، بحيث لو مات لحكم بتمام حجه، فناسب التسهيل وعدم التشديد في التحديد، إذ هي من فروع المسائل الاجتهادية، يوضحه أن الفقهاء من الحنابلة والشافعية قالوا: إنه لو جمع الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد فرماها في اليوم الثالث من أيام التشريق أجزأت أداء؛ لاعتبار أن أيام منى كلها كالوقت الواحد، قاله في المغني والشرح الكبير، وكذا في الإقناع والمنتهى، وهو المذهب، وحكى النووي في المجموع: أنه الظاهر من مذهب الشافعي.
فمتى كان الأمر بهذه الصفة وأن أيام منى كالوقت الواحد حسبما ذكروا، فإذًا لا وجه للإنكار على من رمى قبل الزوال والحالة هذه، فإن من أنكر الرمي قبل الزوال أو بالليل بحجة مخالفتها لفعل النبي ﷺ وفعل أصحابه، وقال بجواز رميها مجموعة في اليوم الثالث، فإنه من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه، فإن رمي كل يوم في يومه ولو قبل الزوال أقرب إلى إصابة السنة، بحيث يصدق عليه أنه رمى في اليوم الذي رمى فيه رسول اللهﷺ، لاسيما إذا صحب هذا الرمي ما يترتب عليه من الذكر والتكبير والدعاء والتضرع، بخلاف جمعها ثم رميها في اليوم الثالث في حالة الزحام، حتى لا يدري أصاب الهدف أم وقعت بعيدًا منه، فإن جمعها ثم رميها في اليوم الثالث إنما ورد في حق المعذورين برعاية الإبل من أجل غيبتهم عن منى، على أن كُلًّا من الأمرين صحيح إن شاء الله، لدخول الناس كلهم في واسع العذر بداعي مشقة الزحام والخوف من السقوط تحت الأقدام.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / اتفاق أئمة المذاهب على القول بالرمي أيام التشريق بعد الزوال - المجلد (2)