ضابط قضاء الصيام والحج عمن مات وعليه صيام أو حج واجب

قال العلامة ابن القيم في الإعلام على قوله ﷺ: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه». قال: فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه، فقالت: يصام عنه الفرض والنذر. وأبت طائفة ذلك وقالت: لا يصام عنه الفرض ولا النذر. وفصلت طائفة، فقالت: يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي. وهذا قول ابن عباس وأصحابه والإمام أحمد وأصحابه، وهو الصحيح؛ لأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يُسلم أحد عن أحد؛ فكذلك الصيام، لا يصوم أحد عن أحد، ولا يحج أحد عن أحد. وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدَّيْن، فيقبل قضاء الولي له، كما يقضي دينه، وَطرْدُ هذا أنه لا يحج عنه إلا إذا كان معذورًا بالتأخير، كما يطعم الولي عمن أفطر رمضان معذورًا، وبدون العذر لا يجوز الإطعام، ولا الصيام. فأما المفطر من غير عذر أصلاً، فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله التي فرّط فيها، وكان هو المأمور بها ابتلاءً وامتحانًا دون الولي، فلا تنفع توبة أحد عن أحد، ولا صلاة أحد عن أحد، ولا غيرها من فرائض الله التي فرّط فيها حتى مات، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلته، وأسفر صبحه، فذاك هو شرع الله ودينه، والسبيل الموصل إلى رضاه، والفوز بجنته. فمتى علمنا بهذا، تبين لنا بطريق الوضوح أن ما يفعله الناس من التوسع في الاستنابة في الحج، بحيث يدفعون دراهم إلى النائب ليحج عن الميت، فهذا لا يصح، ولا يصل إلى الميت ثواب هذا العمل، كما أنه لا حج ولا أجر للنائب؛ لكونه يبيع عملاً صالحًا بدراهم، ويدخل في عموم قوله: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - أحكام منسك حج بيت الله الحرام / حكم الحج عن الغير - المجلد (2)