لا دليل صريح على نبوة آدم عليه السلام
إن القائلين بنبوة آدم، ليس عندهم دليل سوى محض الظن والتخمين، يقولون: إنه لا يمكن أن يبقى آدم وذريته في حياتهم بدون وحي ينظم أحوالهم ويبيّن لهم فرائضهم، وأحكامهم. ويستدلون بقوله سبحانه: ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ﴾ [البقرة: 31]. وهذا التعليم، وهذا العرض، إنما هو للأرواح قبل خلق آدم، فلا حجّة فيه، ولن ننسى في هذا الحديث الوارد في عرض الأرواح - على ضعفه - وهو أن الله سبحانه عرض على آدم ذريته كالذر، «فرأى رجلاً هو أضوؤهم، قال: يا رب، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. قال: يا رب، كم عمره؟ قال: ستون سنة. قال: يا رب، زده من عمري أربعين سنة. ثم إنها مضت الأيام والليالي، فلما انتهى عمر آدم وحان الحين لقبض أجله، جاءه ملك الموت لقبض روحه، فقال له آدم: إنك استعجلت عليَّ وإنني أعدّ الأيام والليالي، وقد بقي من عمري أربعون سنة. فقال: إنك وهبتها لابنك داود، فجحد أن يكون وهبها له». قال: «فجحد آدم، وجحدت ذريته، ونسي، فنسيت ذريته، فمن ثم أمر الله بالكتابة والشهود» .
ثم إن الناس من لدن خلق آدم وهم يولدون على الفطرة التي هي معرفة الخير ومحبته، فيلهمون فعل ما ينفعهم، واجتناب ما يضرهم، وقد يذنبون، فيتوبون وقد لا يتوبون، كما في حادثة ابني آدم، حين قتل أحدهما أخاه ولم يهتد إلى كيفية دفنه، حتى دلّه غراب يبحث في الأرض، ليريه كيف يواري سوأة أخيه، وكان هذا أول قتيل دفن في الأرض، ولهذا ورد: «ما قتل قتيل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل» . وكما يوجد في زماننا هذا أُمم من الناس لم تبلغهم الدعوة، ولا الشريعة، فيعيشون متعاشرين متعاملين، ويوصفون بأنهم ممن لم تبلغهم الدعوة، كحالة زمان الفترة. والله سبحانه، بحكمته وعدله، لا يعذب أمّة حتى يبعث إليها رسولاً فيعصون أمره، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا ١٥﴾ [الإسراء: 15].
وأما قول بعضهم: إن نبي الله إدريس كان قبل نوح، كما أشار إليه العلامة ابن كثير في التفسير، فهذا قول لا حظ له من الدليل، ويخالف نصوص القرآن والسنة.
وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من أنبياء بني إسرائيل، وهذا أقرب إلى المعقول والمنقول.
وقد رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ذكر في كتاب الإسلام والإيمان نبوة آدم عليه السلام، وهو اجتهاد منه رحمه الله.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الإيمان بالأنبياء بجملتهم وضعف حديث أبي ذر في عددهم / [ عدد الأنبياء وما جاء في ذلك ] - المجلد 1