التفريق بين الإيمان والإسلام في الاستثناء لا صحة له والدليل على خلافه

إن بعض أهل السنة أدخلوا في العقيدة السلفية كونه يستثنى في الإيمان ولا يستثنى في الإسلام، فمتى سئل الرجل وقيل له: أنت مؤمن؟ فليقل: إن شاء الله، أو قيل له: أنت مسلم؟ فليقل: نعم. بدون استثناء. قال السفاريني في عقيدته: ونحن في إيماننا نستثني من غير شك فاستمع واستبن فهذا التفريق لا صحة له، ولم نجد له في الشريعة أصلاً يعتمد إليه ولا نظيرًا يقاس عليه، فيجوز للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن. بدون استثناء متى علم من نفسه صحة إيمانه، كما يقول: أنا مسلم. بلا فرق.. كما في الحديث أن النبي ﷺ قال لحارثه بن النعمان: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا. فقال رسول الله ﷺ «انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة». فقال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الشهوات فأسهرت ليلي بالقيام، وأظمأت نهاري بالصيام، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار في النار يعذبون فيها. فقال: «عبد نور الله قلبه فالزم».. قال ابن رجب: روي هذا الحديث مسندًا ومرسلاً والمرسل أصح .. فلم ينكر النبي ﷺ جزمه بإيمانه بدون استثناء. ومثله ما ذكره العلامة ابن القيم في كتابه: زاد المعاد في هدي خير العباد : قال: ذكر أبو نعيم في كتاب: معرفة الصحابة -وكذا الحافظ أبو مسلم المديني - عن سويد بن الحارث الأزدي، قال: وفدت على رسول الله ﷺ وأنا سابع سبعة من الأزد، فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزيّنا.. فقال لنا: «ما أنتم؟» فقلنا: مؤمنون. فتبسم رسول الله وقال: «إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟» قلنا: خمس عشرة خصلة يا رسول الله.. خمس أمرتنا أنت بها، وخمس أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئًا. فقال رسول الله ﷺ: «ما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟» قالوا: أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله، وأن نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إليه سبيلاً. قال: «وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟» قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت. فقال: «وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية؟» قلنا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضى بمر القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء.. فقال رسول الله: «علماء حكماء كادوا من فقههم وعلمهم أن يكونوا أنبياء». والمقصود أن النبي ﷺ أقرّهم على الجزم بالإيمان ولم ينكر عليهم، ولا أدري ما الذي أدخل في عقيدة أهل السنة الاستثناء في الإيمان دون الإسلام على أن الاستثناء شرع لمنع انعقاد الإيمان، ولا يكون إلا في الشيء المستقبل الذي قد يفعله وقد لا يفعله، كما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ﴾ [الكهف: 23-24]. والنبي ﷺ قال: «والله لأغزون قريشًا والله لأغزون قريشًا» ثم قال: «إن شاء الله».. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ تتمة البحث ] - المجلد 1