خطبة لعائشة أم المؤمنين

فمن بلاغتها (يعني عائشة أم المؤمنين) ما رواه ابن عساكر في تاريخه عن جعفر بن عون، عن أبيه، عن عائشة ورواه أبو أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: إنه لمّا ألقى الدين بجرانه وألقى بركه ورست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجًا ومن كل فرقة أرسالاً وأشتاتًا، اختار الله لنبيّه ما عنده، فلما قبض الله نبيه نصب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله، فظن رجال أن قد تحققت أطماعهم ولات حين الذي يرجون وإني والصدّيق بين أظهرهم، فقام حاسرًا ومشمرًا فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الإسلام على غره ولم شعثه بطيه، وأقام أوده بثقافه، فوقذ النفاق بوطأته وانتاش الدين فنعشه، فلما أراح الحق على أهله وقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها أتته منيته فسد ثلمته بنظيره في الرحمة وشقيقه في السيرة والمعدلة، ذاك ابن الخطاب لله أُمٌّ حفلت له ودرّت عليه، لقد أوحدت به فقبح الكفر وشرد الشرك وبعج الأرض فقاءت أكلها ولفظت خبيثها ترؤمه ويصد عنها وتتصدى له ويأباها، ثم ورع فيها وودعها كما صحبها فأروني ماذا تريبون وأي يومي أبي تنقمون، أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه عنكم وقد نظم لكم أمركم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. انتهـى. فهذه نبذة يسيرة، تدل الناظر على سعة علم نساء الصحابة وما وفقن له من الفصاحة والإصابة، مع حسن سبك الكلام المتضمن لجميل البلاغة والبيان، وأن لهن العناية التامة بتعلم العلوم النافعة وتعليمها مع العمل بها.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الأخلاق الحميدة للمرأة المسلمة " - المجلد (4)