قيام الساعة

فمتى انقضى عمار الدنيا، وأراد الله أن يجلي أهلها عنها، وأن ينقلهم منها إلى دار أخرى، ليجزي فيها الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فعند ذلك يأمر الله بقيام الساعة. وقد وصف الله القيامة بأسماء وأوصاف متعددة متنوعة، تدل بمعانيها على أنها شيء عظيم، فوصفها بالطامة الكبرى، وبالصاخة، وبالزلزلة، والقارعة، والواقعة، وقال: ﴿إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ١ لَيۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ ٢ خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ ٣﴾ [الواقعة: 1-3]. وقال: ﴿...إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١﴾ [الحج: 1]. وقال: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ وَمَآ أَدۡرَاكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٣﴾ [القارعة: 1-3]. تعظيم لشأنها وكون ذلك يحصل بقارعة تقرع الأرض، فترجها رجًّا، وتبسها بسًّا، ويكون الناس هباءً منبثًّا، وكالفراش المبثوث، فيكوّر بالشمس، ويخسف بالقمر، وتتناثر النجوم من إمساكها المقتضي لإثباتها، وقد بطل ذلك عند القضاء بفناء الدنيا، وخراب العالم، وعدم الاحتياج إلى شيء من ذلك. وقال سبحانه: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣ وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤﴾ [الإنشقاق: 1-4]. -أي ألقت جميع ما على ظهرها من جبال، وأناس، وتخلت عنهم- لكون الناس يحشرون على أرض بيضاء لم يُعصَ الله عليها. والحكمة في هدم الأبنية، وتسيير الجبال، ودك الأرض، وشق السماء، ونثر النجوم، وتكوير الشمس، وخسوف القمر، وتخريب هذا العالم بأجمعه أن الله سبحانه لما بنى للناس دار الدنيا للسكنى بها، والتمتع بخيراتها، وجعل ما فيها زينة للأبصار، وعظة للاعتبار، والاستدلال على وحدانيته، وجميل صنعه بما يقتضي الإيمان به، وإخلاص العبادة له، فلما انقضت مدة السكنى بها، وحقت كلمة ربك على فنائها، أجلاهم سبحانه منها، وخرّبها؛ لانتقالهم منها إلى غيرها ﴿يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: 48]، أراد أن يعلمهم بأن في إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وتعريض ذلك الصنع العجيب للزوال، كله بيان لكمال قدرته، ودوام بقائه، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، وأن عنده سبحانه لعباده دارًا هي أبقى وأرقى، وأجل وأجمل من دار الدنيا، ليجزي فيها الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " حكم منكر البعث في الشرع الإسلامي " - المجلد (1)