تخاطب أهل الجنة فيما بينهم وتخاطبهم مع أهل النار وتفاضل منازلهم
ثم إنه بعد دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجري بينهما التخاطب، فيسأل أحدهما الآخر عن حاله، ومحله، وعاقبة مصيره، وقد قيل: إن بين الجنة والنار سورًا، فيه كُوًى ينظر بعضهم بعضًا، ويخاطب بعضهم بعضًا، وهذا معنى قوله: ﴿... فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ ١٣ يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ﴾ -أي في الدنيا- ﴿يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ١٤ فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَاكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَاكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ١٥﴾ [الحديد: 13-15]. فأهل الجنة يدخلون الجنة بفضل الله ورحمته، لكنهم يتقاسمون المنازل بالأعمال، حيث إن بعضهم أفضل من بعض بالأعمال الصالحة، يقول الله تعالى: ﴿ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا ٢١﴾ [الإسراء: 21]. فيكون منزلة الفاضل كالكوكب في السماء، بحيث يتراءونه ويقولون: هذه منزلة فلان بن فلان، حتى إن الرجل الصالح ينزل في المنزلة العالية، وينزل ابنه في منزلة دونه، فيقول: أين ابني؟ فيقال: إن منزلته دونك، قد قصرت به أعماله، فيقول: إني عملت لنفسي ولابني. فيأمر الله برفع ابنه إليه في منزلته لتقرّ عينه به، يقول الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ ٢١﴾ [الطور: 21]. فصاحب المنزلة العالية يستطيع أن يزور كل من تحته، أما صاحب المنزلة النازلة، فلا يستطيع أن يصعد إلى من فوقه، لأن أعماله قد قصرت به.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " وقوع التنازع بين موحِّدٍ وملحد في حقيقة البعث بعد الموت " - المجلد (1)