أحوال يوم القيامة

وهنا يقع السؤال: وهو أن الله سبحانه قال في هذه الآية: ﴿فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ ٥٠﴾ [الصافات: 50]. وفي موضع آخر قال: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ١٠١﴾ [المؤمنون: 101]. فنفى التساؤل في هذه الآية بين الناس في الآخرة، وأثبته في الآية قبلها. والجواب عن هذا: أن يوم القيامة عرصات، ومقامات، وللناس فيه حالات، فحالة لا يسأل فيها أحد أحدًا، وذلك حين تقوم الساعة، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ ٣٣ يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦﴾ [عبس: 33-36]. وهذا أحد المواقف التي لا يسأل أحد فيها أحدًا. والموقف الثاني: حين تتطاير الصحف، ولا يدري أيأخذ كتابه بيمينه، أو بشماله. والثالث: عند الميزان، حينما توزن الأجسام بما اشتملت عليه من الأعمال ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ وَمَآ أَدۡرَاكَ مَا هِيَهۡ ١٠ نَارٌ حَامِيَةُۢ ١١﴾ [القارعة: 6-11]. والموقف الرابع: عند الصراط، حين يعرض على متن جهنم، ويكلف الناس بالمرور عليه، وهو معروض على متن جهنم، أشبه الخشبة فوق القليب، وهو أدق من الشعرة، وأحدُّ من السيف، تجري الناس بأعمالهم عليه، وهو معنى الورود الذي قال الله فيه: ﴿وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا ٧١ ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا ٧٢﴾ [مريم: 71-72]. فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، وعلى جوانبه كلاليب وحسك، تخدش الناس، وتخطف من أمرَت بخطفه، وتلقيه في جهنم، وهذه الكلاليب والحسك، هي المعاصي. والنبي ﷺ قائم على طرف الصراط يقول: «اللهم سلم سلم». ويعرف أمته من بين سائر الأمم بالغرّة والتحجيل من آثار الوضوء، فمتى خلصوا من الصراط، شربوا من الكوثر، فهذه المواطن لا يذكر فيها أحد أحدًا، ولا يسأل أحد عن أحد.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " وقوع التنازع بين موحِّدٍ وملحد في حقيقة البعث بعد الموت " - المجلد (1)