معنى القضاء والقدر
فالقضاء والقدر معناهما: أن الله سبحانه قد أوجد هذا العالم مقدرًا بمقادير متقنة مضبوطة محكومة بسنن لا تقبل التغيير ولا التبديل، وأنه قد فرغ من ذلك فراغًا لا يعقبه تعديل ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص، ﴿وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ ٨٨﴾ [النمل: 88].
يقول الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا ٢﴾ [الفرقان: 2]. أي جعله مقادير منظمة متقنة محكمة. كقوله: ﴿ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ ٨﴾ [الرعد: 8].
ومنه قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٤٩﴾ [القمر: 49]. أي بتقدير ونظام متقن، كل شيء بحسبه فلم يخلق شيئًا بطريق الصدفة ولا الطبيعة. قال ابن جرير في التفسير: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه. وبعض المفسرين يغلطون في تفسير هذه الآية حيث يحملون تفسيرها على القضاء والقدر، ثم يتوسعون في سياق الآثار الواردة في القضاء والقدر، كأن الآية سيقت لذلك وهو خطأ، فإنه لا تعلق للآية بالقضاء والقدر الذي يعنونه، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ﴾ [المؤمنون: 18]. أي بقدر حاجة الناس، ليس بالكثير المنهمر المستمر فيهلك حرثهم ومواشيهم، ولا قطعة واحدة فيضر البنيان، وإنما ينزله رشاشًا قطعًا على حسب ما يخرج من فتحات المنخل بحيث يروي الأرض وتسـيل منه الأودية؛ لأنه لو نزل كتلة واحدة لضر الأنام والأنعام والحرث، ولزال منه الانتفاع المطلوب.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الإيمان بالقضاء والقدر على طريقة أهل السنة والأثر / " القدَر هوَ قُدرَة الرحمن " - المجلد (1)