مشكلة اللحوم في الحج

إنني رأيت في جريدة الأهرام أقوالاً متعددة صادرة من علماء بلدان متباعدة كلها تحوم حول موضوع دماء المناسك والهدايا التي تذبح بمنى وقت موسم الحج، وينددون بأن تركها بعضها فوق بعض أنه إضاعة للمال، وينددون كما يُرددون بأن إهمالها بهذا الوضع أنه من مناهي الشرع، ويُنحون بالملام على تركها بهذه الصفة، وينقل بعضهم عن بعض صورة البشاعة والشناعة، وقد قلد بعضهم بعضًا في الحملة عليها، وهم مجتهدون ويغفر الله لنا ولهم. وإن المشكلة كل المشكلة فيها هو شدة الزحام حيث يطأ بعضهم بعضًا بالأقدام، والذي لم يُعهد له نظير في شيء من الأزمان أو البلدان، حتى لو كان بين الرجل وبين ذبيحته عشرة أقدام لما استطاع الوصول إليها بالسهولة، ولا ما تمكن من حملها إلى محله، والحجّاج في يوم العيد هم أجوع ما يكونون للحم لعدم توفره لديهم وعدم قدرتهم على الوصول إليه وعلى حمله إلى منازلهم؛ لهذا يشتد شوقهم إلى أكل اللحم في يوم العيد، وينظرون إليه نظر الحِدأة، ولا يُسعَد بالتنعم بأكله في خاصة هذا اليوم إلا الجُلداء الأقوياء الذين يشقون الصفوف الزحام ويخوضون الدماء بالأقدام، فينقلون منه ما يشتهون أكلاً وادخارًا وبيعًا، غير أن الذبح والسلخ والتنظيف ليس من الشيء الهيّن، ولا كل أحد يستطيعه، فيأخذ أحدهم في عملية الذبح والسلخ والتنظيف والتقطيع قدر ساعة كاملة، فما بالك بالملايين من ذبح الإبل والبقر والغنم إذ تنظيمها في مثل هذا المكان الضيق والوقت القصير مُشق إلى حد النهاية، فهم يعجزون كل العجز عن توصيل هذه اللحوم إلى الحجاج في منى وإلى الفقراء من أهل مكة، ولا شك أن المطالبة بذبحها وسلخها وتنظيفها أنه أشق، إذ هو من تكليف ما لا يُستطاع، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولو فرضنا أن الحكومة عملت عملها في تنظيم هذه اللحوم لتوزيعها فلا شك أن فقراء الحرم هم أحق بها وأهلها، إذ هم المخصوصون بها في كتاب الله وسنة رسوله فلا معنى لعدولها عنهم. ولو وزِّعت هذه اللحوم المركومة لما وَسِع الشخص الواحد من الحجاج مثقال بيضة من اللحم.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / الحكم في لحوم الهدايا التي تذبح بمنى في موسم الحج -المجلد (2)