خطبة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

روى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، أنها قالت: إنه لمّا ألقى الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجًا، ومن كل فرقة أرسالاً وأشتاتًا، اختار الله لنبيه ما عنده، فلما قبض الله نبيه، نصب الشيطان رواقه، ومد طَنَبه، ونصب حبائله، فظن رجال أن قد تحققت أطماعهم، ولات حين التي يرجون، وأنى والصديق بين أظهرهم؟ فقام حاسرًا ومشمرًا، فجمع حاشيته، بنعشه فرد نشر الإسلام على غِره، ولم شعثه بطبه، وأقام أوَدَه بثقافته، فامذقر النفاق بوطئته، وانتاش الدين بنعشه، فلما أراح الحق على أهله، وقرر الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، أتته منيته، فسد ثلمه بنظيره في الرحمة، وشقيقه في السيرة والـمعدّ له، ذاك ابن الخطاب، لله أم حملت به، ودَرت عليه، لقد أوحدت به، فقبح الكفر، وشرد الشرك، وبعج الأرض، فقاءت أكلها، ولفظت خبيئها ترأمه ويصد عنها، وتتصدى له، ويأباها، ثم ورع فيها، وودعها كما صحبها، فأروني ماذا تريبون؟ وأي يوْمَيْ أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم؟ أم يوم ظعنه عنكم! وقد نظم لكم أمركم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. انتهى. فهذه نبذه يسيرة، تدل الناظر على سعة علم نساء الصحابة، وما وفقن له من الفصاحة والإصابة، مع حسن سبك الكلام الـمتضمن لجميل البلاغة والبيان، وأن لهن العناية التامة بتعلم العلوم النافعة، وتعليمها مع العمل بها.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من مجلد " الحكم الجامعة (2) " / (74) الأخلاق الحميدة للمرأة المسلمة الرشيدة - المجلد (7)