اختلاق فكرة المهدية وتطورها
إننا عندما نتحدث في كتابنا هذا عن المهدي، فإنما نعني به المهدي المجهول في عالم الغيب، والذي يصدق بخروجه بعض أهل السنة.
أما مهدي الشيعة فإنه معلوم اسمه، ومعروف مكانه فلا حاجة للكلام فيه.
وأول من قال بالمهدية: كيسان مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ابنه محمد ابن الحنفية، فقد زعم بأنه المهدي، وأنه مقيم بجبل رضوى في الحجاز بين مكة والمدينة، وأن عنده عيني عسل وماء. وهذا هو اعتقاد المختار بن أبي عبيد ومن معه، ثم دخلت فكرة المهدي وخروجه في المجتمع الإسلامي، وكان لعبد الله بن سبأ اليد العابثة في تحقيقه، وصناعة الحديث في التصديق به، وكانت الكوفة موطنًا أو مسرحًا لجميع الناس، وخاصة غلاة الزنادقة ومن دخل في الإسلام في الظاهر من اليهود والنصارى والمجوس، فدخلت من بينهم الأهواء، ومجادلة انتصار قوم على آخرين مع الحرص منهم على إفساد عقيدة الدين، فصار من السهل عليهم مع عدم إيمانهم وأمانتهم بأن أنشؤوا الأحاديث المكذوبة عن أهل القبور بحيث يقول: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله. وهم كلهم أموات غير أحياء، فوسعوا الشكوك الإلحادية، وزعزعوا بآرائهم العقائد الدينية، ولقحوا أفكار الناس بعقائد خيالية دخيلة ليست من عقائد الإسلام والمسلمين، كعقيدة المهدي المنتظر وما يكون من أمره ونشره للعدل في جميع الدنيا في خلال سبع سنين، وساعد على رسوخ فتنة المهدي نشاط دعاتها، وجَوبهم للأقطار في سبيل نشرها، واشتهارها وصحتها ويوهمون أتباعهم بنجاح دعوتهم، وكثرة أتباعهم، مع حلاوة ما يدعون إليه من محاربة الجور والظلم، وبسط العدل والأمن الذي يخالفه فعلهم عند استيلائهم. فكانوا يرون بالضروري بزعمهم أن يلجؤوا إلى صناعة الأحاديث المكذوبة ليشغلوا بها الأذهان وضعفة العقول والأفهام، ويستعملوها بمثابة آلة الانتصار لحزبهم وحرب عدوهم.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ﷺ خير البشر / مهدي أهل السنة ومهدي أهل الشيعة - المجلد (1)