ينبغي حمل حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه على الواقع الملموس
الحق أن حديث جابر بن سمرة في قول النبي ﷺ: «لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة». ينبغي أن يحمل على الواقع الملموس والمشاهد بالأسماع والأبصار، وذلك في حمله على حكام المسلمين الذين كانوا في القرون الثلاثة المفضلة، والذين قام بهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية بن أبي سفيان ثم عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد ابن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك ثم يزيد بن الوليد، ومن بعده إلى مروان بن محمد، ثم انتقلت الإمامة إلى بني العباس ومنهم: المنصور، ثم ابنه المهـدي، ثم هارون الرشيد إلى من بعدهم ممن استقام بهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، ومن بعد هؤلاء عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي.
فلا ينبغي أن نبخس هؤلاء حقهم، أو ننسى محاسنهم، أو نجحد عموم عدلهم الذي طبق مشارق الأرض ومغاربها، ثم نحمله على المهدي الذي لا يخرج بزعمهم إلا زمن عيسى ابن مريم، وهو مجهول في عالم الغيب.
ولا نقول: إن هؤلاء ليس فيهم عيوب ولا ذنوب، بل قد يوجد فيهم ما يعابون به كما قالوا في معاوية وقتاله لعلي، وكون علي أحق بهذا الأمر منه بشهادة رسول الله ﷺ حيث قال في الخوارج: «يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» . وقد قاتلهم علي، وقال في عمار: «تقتلك الفئة الباغية» . وقد قتله أصحاب معاوية، وهذه كلها ذنوب خاضعة تحت عفو الله ومغفرته، إذ لا يلزم أن تحبط سائر عمله، وماضيه ومستقبله، والحسنات يذهبن السيئات، فقد حكم معاوية عشرين سنة، واستقام عليه أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين.
وقبله قد قاتل الزبير وطلحة في وقعة الجمل عليًّا رضي الله عنهم أجمعين، ومع هذا فقد قال علي رضي الله عنه: إني أرجو أن أكون أنا والزبير وطلحة من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٤٧﴾ [الحجر: 47].
فمتى قلنا: إن الاثني عشر خليفة الذين استقام بهم الدين لن يخرجوا عن هؤلاء الأئمة الذين أعز الله بهم الدين، وجمع بهم شمل المسلمين لم نكن آثمين، بدلاً من أن نحيل أحدهم إلى تسميته بالمهدي، ثم نجعله خيالاً غيبيًّا يوجد في الأذهان دون الأعيان، إذ هذا من التخرص والظنون، والقول على الله وعلى رسوله بغير حق.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ﷺ خير البشر / التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر - المجلد 1