الأدلة التي استدل بها الشيخ عبد العزيز بن رشيد خارجة عن موضوع البحث

قال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن رشيد: إن ما أفتى به الـمذكور خطأ من وجوه عديدة، أحدها: أن الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾ [الكوثر: 2]. وعن أنس، أن النبي ﷺ ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: كان النبي ﷺ ينحر بالـمصلى رواه البخاري، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ يَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا أَنْفُسًا» رواه الترمذي وابن ماجه. «عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ قَالَ «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ». قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ». قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ»» رواه أحمد وابن ماجه، ثم قال: واختلف العلماء في حكم الأضحية، فقال بعضهم: إنها واجبة على الـموسر. وبه قال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية، وقال به بعض الـمالكية واستدلوا على ذلك بالآية السابقة، وبما رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة مرفوعًا: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا»، وقال بعض العلماء: إنها مستحبة غير واجبة، وبه قال الجمهور. قال: ومن أقوى ما يحتج به لعدم الوجوب ما ورد من أنه ﷺ ضحى عنه وعن أمته في أحاديث صحيحة وحسنة، فأسقط بذلك الوجوب، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضل الأضحية، وأنها قربة إلى الله من أعظم القرب في ذلك اليوم، وصرح ابن القيم بتأكيد سنيتها، وأن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، لأنه ﷺ وخلفاءه واظبوا عليها وعدلوا عن الصدقة بثمنها، وهم لا يواظبون إلا على الأفضل، وعن ابن عمر، قال: أقام النبي بالـمدينة عشر سنين يضحي، وعن ابن عمر أنه سأله رجل عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: ضحى رسول الله والـمسلمون، فأعادها عليه، قال: أتعقل، ضحى رسول الله والـمسلمون.. إلخ، انتهى كلامه. فالجواب: إن هذه الآية التي استدل بها والأحاديث التي أسندها وأقوال العلماء التي سردها كلها خارجة عن موضوع البحث ومثار النزاع، فقد وعد في مقدمة رده أنه سيورد الأدلة التي تثبت مشروعية الأضحية عن الـميت، وكون ذبحها عنه أفضل من الصدقة بثمنها، فأورد الآية والأحاديث التي أريد بها أضحية الحي، إذ هي الأضحية الـمشهورة الـمشروعة بنص الكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة، ولو تفكر في الآية وما تقتضيه من الدلالة لعرف أنها حجة عليه لا له، فإن الله يقول: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾ [الكوثر: 2]. فوردت الآية مورد الخصوص ومعناها العموم، لكون الرسول هو الـمبلغ عن الله وحيه يأمر الله عباده بأن يصلوا صلاة العيد لربهم ثم ينحروا أضاحيهم لربهم بعد فراغهم من صلاتهم، فالـمخاطبون بالأمر بالصلاة هم الـمخاطبون بنحر الأضحية ولا علاقة للآية بذكر الأموات البتة، ويدل له ما روى البخاري عن البراء بن عازب، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِى يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ»، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح، فقال: إن عندي عناقًا جذعة فقال: «اذْبَحْهَا وَلا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»»، فدل الحديث على نحو ما دلت عليه الآية، من تنظيم ذبح الأضحية، وأن كل أضحية تذبح على خلاف ما سنه رسول الله، فإنها شاة لحم قدمها لأهله، وليست من الأضحية في شيء.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة "مباحث التحقيق مع الصاحب الصَّدِيقِ " / فصل في الرد على ادعاءات الشيخ عبد العزبز بن ناصر - المجلد (5)