حاجة الحي مقدمة على حاجة الميت

فإن قيل: إن القبر وقف على الميت لا يجوز التصرف فيه حتى يبلى وتذهب عظامه، قلنا: نعم، فهذا هو الحكم فيه عند عدم الحاجة إليه، لكن متى دعت الحاجة إلى أخذه لسعة الطريق أو توسيع المسجد، جاز ذلك كما فعل الصحابة، كما قلنا: إن بيت المسلم محترم لا يجوز التصرّف فيه بدون إذنه. وكذا المسجد والأوقاف الخيرية والأهلية، ومثله القبر فمتى دعت الحاجة إلى استعمال المقبرة لسعة السوق أو الطريق أو لراحة الأحياء وسلامة أرواحهم، والوقاية من اصطدام السيارات التي هي مراكب الحديد والتي ينجم عنها الضرر والبأس الشديد، فإن هذا جائز شرعًا وعرفًا، كما يخرج الحي عن بيته ويهدم بغير رضاه واختياره، لكون المضار الجزئية تغتفر في ضمن المصالح العمومية، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكما يجوز هدم المسجد لتوسعة الطريق فهذا أولى بالجواز، لكون حاجة الحي مقدمة على حاجة الميت، كما نص الفقهاء، فمن عنده خرقة يحتاج إليها ميت لتكفينه وحي يستر بها عورته؛ تدفع إلى الحي، أما كون الحي يدفع له التعويض عن بيته بخلاف صاحب القبر فهذا لا يمنع من الفرق؛ إذ الحي محتاج إلى بيت يستر عورته وأهله، بخلاف صاحب القبر، فإنه لا حاجة له بثمن قبره، وإنما حاجته أن تستر عظامه في محل يشبه القبر.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " جواز الاقتطاف من المسجد والمقبرة " / المقابر - المجلد (4)