تعليق المنار على قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ﴾
ثم إنني بعد كتابتي لما ذكر رأيت في تفسير المنار التصريح بهذه المسألة قائلا:
أخذ الجمهور من مفهوم قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ﴾ [المائدة: 5]. أن طعام الوثنيين- أي ذبائحهم- لا يحل للمسلمين، أخذًا منهم بمفهوم اللقب، كما يحتج بعض الشافعية به، والجمهور لا يحتجون به. والقرآن لم يحرّم طعام الوثنيين، ولا طعام مشركي العرب مطلقًا، كما حرّم نكاح نسائهم، بل حرّم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم.
وإن الصابئين والمجوس لا يطلق عليهم لقب المشركين؛ لأن القرآن عندما يذكر أهل الأديان يعد المشركين والذين أشركوا صنفًا، واليهود والنصارى والصابئين والمجوس أصنافًا أخرى، يعطف أحدها على الآخر، والعطف يقتضي المغايرة.
إذا علمت هذا: تبين لك أن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ المشركين يتناول جميع الذين كفروا بنبينا وبالقرآن النازل عليه، ولم يدخلوا في دينه؛ وأن للاجتهاد مجالاً في جعل لفظ المشركين في القرآن خاصًّا بوثنيي العرب، فلا يكون استحلال ذبائحهم كفرًا، ولا خروجًا عن دين الإسلام. قال: ولسنا نقول بهذا بنظريات اجتهادية من عند أنفسنا، وإنما نقوله بما غفلوا عنه من كتاب الله، لظنهم أن أئمتهم من الفقهاء قد أحاطوا بكل شيء علمًا، وخفي عليهم أن كثيرًا من العلماء من أمثالهم قد خالفوهم في كثير من المسائل، ومن فوقهم من الصحابة والتابعين، والأصل هو الإباحة في الأشياء، حتى يرد الأمر بالنهي عنها، فيجب رد الأمر إلى الكتاب العزيز، وإلى السنة المطهرة. انتهى كلامه.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " فصل الخطاب في ذبائح أهل الكتاب " / فصل - المجلد (4)