التعليق على استدلال الشيخ عبد العزيز بحديث سعد رضي الله عنه
وأنا أضرب لك مثلاً:
وهو أن الإسلام بمثابة رأس الإنسان؛ لحديث «رأس الأمر الإسلام»، والإيمان بمثابة قلب الشخص فلا يكون الإنسان حيًّا سويًّا برأس دون قلب ولا بقلب دون رأس.. والنبي ﷺ حين فسر الإسلام بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج؛ فسر الإيمان بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره، كما في حديث جبريل.
والنبي ﷺ بهذا التفسير والتفصيل بمثابة الطبيب الحاذق يشخّص حواس الرأس بمميزاته وكونه يشتمل على الدماغ وعلى السمع والبصر وبقية مخصصاته، ثم يشخّص القلب بأوصافه المختصة به، مع العلم أن كل واحد منهما ملازم للآخر صلاحًا وفسادًا وحياة وموتًا، فهما جزء واحد لا يتجزأ.
فقول الشيخ عبد العزيز: «إن الإسلام والإيمان شيئان متباينان ومختلفان، وأنه ليس كل مسلم مؤمنًا.. » فيا ليته وصف لنا هذا المسلم الذي ليس بمؤمن وبيَّن لنا صفات أعماله واعتقاده، وقد استدل لذلك بقول سعد في الرجل الذي لم يعطه رسول الله، فقال: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فإني أراه مؤمنًا. فقال: «أو مسلمًا..» قال: «رواه الإمام أحمد». ونحن نسوق هذا الحديث بكماله، فإن آخره يفسر أوله.
روى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان في ترجمة باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل.. قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أعطى رهطًا -وسعد جالس- وترك رجلاً هو أعجبهم إليَّ، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا. فقال: «أو مسلمًا»، فسكت قليلاً، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان.. فوالله إني لأراه مؤمنًا. فقال: «أو مسلمًا»، ثم قال: «يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية أن يكبه الله في النار على وجهه».
إن رسول الله لا يأنس بالمجازفة بدعوى الإيمان لشخص معين لكون الإيمان اعتقاد قلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى، لحديث «الإسلام علانية والإيمان في القلب»، ومتى ادعاه شخص عند رسول الله عمل معه التحقيق في صحته، كما في حديث حارثة بن النعمان أنه دخل على النبيﷺ فقال له: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنًا حقًا. فقال: «انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة». فقال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الشهوات، فأظمأت نهاري بالصيام، وأسهرت ليلي بالقيام، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار في النار يعذبون فيها. فقال: «عبد نوّر الله قلبه فالزم». قال ابن رجب: روي هذا الحديث مسندًا وروي مرسلاً والمرسل أصح.
لكن الخطاب باسم المؤمنين على الإجمال كما يقول الخطيب: يا معشر المؤمنين اتقوا الله فهذا جائز ومشروع لقول الله تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ﴾ [التوبة: 71]. وقوله: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ﴾ [الحجرات: 10]. لكون الخطاب بهذه الصفة يدخل فيه جميع المسلمين والمؤمنين.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك السابع: الاعتماد على حديث جبريل عليه السلام في التفريق بين الإسلام والإيمان اعتماد غير صحيح ] - المجلد (1)