تعليق رشيد رضا على فتوى ابن حجر
وأما قول الحافظ: إن من عمل فيه المحاسن وتجنب ضدها، كان عمله بدعة حسنة ومن لا فلا، ففيه نظر، ويعني بالمحاسن قراءة القرآن وشيء من سيرة النبي ﷺ في بدء أمره من ولادته وتربيته وبعثته، والصدقات وهي مشروعة لا تعد من البدع، وإنما البدعة فيها جعل هذا الاجتماع المخصوص بالهيئة والوقت المخصوص وجعله من قبيل شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع، بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أنه من أعمال القرب المطلوبة شرعًا، وهو بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله تعالى، وزيادة فيه وتعد من شرع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم، فكيف إذا وصل الجهل بالناس إلى تكفير تاركه، كأنه من قواعد العقائد المعلومة من الدين بالضرورة؟ أليس يعد في هذه الحال وبين هؤلاء الجهال من أكبر كبائر البدع التي قد تقوم الأدلة على كونها من الكفر بشرطه؟ فإن الزيادة في ضروريات الدين القطعية وشعائره كالنقص منها يخرجه عن كونه هو الدين الذي جاء به خاتم النبيين عن الله تعالى، القائل فيه: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ﴾ [المائدة: 3]. فهو تشريع ظاهر مخالف لنص إكمال الدين وناقض له، ويقتضي أن مسلمي الصدر الأول كان دينهم ناقصًا أو كفارًا. وقد ورد أن أبا بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم قد تركوا التضحية في عيد النحر لئلا يظن الناس أنها واجبة، كما ذكره الإمام الشاطبي في الاعتصام (ص276) وغيره، أفلا يجب بالأولى ترك حضور هذه الحفلات المولدية، وإن خلت من القبائح واشتملت على المحاسن لئلا يظن العوام أنها من الفرائض التي يأثم فاعلها أو يكفر تاركها، كما يقول بعض مبتدعة العلويين الجاهلين المذكورين في السؤال؟ فكيف إذا كانت مشتملة على بدع ومفاسد أخرى كالكذب على رسول الله ﷺ في سيرته وأقواله وأفعاله، كما هو المعهود في أكثر القصص المولدية التي اعتيد التغني بها في هذه الحفلات؟
وأما القيام عند ذكر وضع أمه له ﷺ وإنشاد بعض الشعر أو الأغاني في ذلك، فهو من جملة هذه البدع، وقد صرح بذلك الفقيه ابن حجر المكي الشافعي الذي يعتمد هؤلاء العلويون على كتبه في دينهم، فقال عند ذكر الإنكار على من يقوم عند قراءة: ﴿أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُ﴾ [النحل: 1]. لما ورد في ذلك سبب قد زال ما نصه: ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر مولده ﷺ ووضع أمه له من القيام وهو أيضًا بدعة لم يرد فيه شيء على أن العوام إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له. انتهى.
فهذا ملخص كلام علماء الإسلام وأن الاحتفال بالمولد بدعة ويقود إلى بدعة أخرى وهي الاحتفال بالنعم، لكون البدع يقود بعضها إلى بعض.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق " / [رد سماحة الشيخ على رسالة: الاحتفال بذكر النعم واجب] - المجلد (4)