الناس يتفاوتون في استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام
لما منع العرب زكاة أموالهم وعزم أبو بكر أن يقاتلهم على منعها فعارضه الصحابة على رأيه، وقالوا: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». فقال لهم أبو بكر: إن الزكاة من حق لا إله إلا الله. قال عمر: فعلمنا أنه الحق فاتبعناه، ولما بلغ عمر أن أناسًا يفضلونه على أبي بكر، قام في الناس فقال: أما إني سأخبرك عني وعن أبي بكر: إنه لما مات رسول الله ارتدت العرب بأسرها فمنعت شاءها وبعيرها فاتفق رأينا أصحاب محمد أن أتينا إلى أبي بكر الصديق وقلنا: يا خليفة رسول الله ، إن رسول الله كان يقاتل الناس بالوحي والملائكة يمده الله بهم وقد انقطع ذلك اليوم فالزم بيتك فإنه لا طاقة لك بقتال العرب كلهم. فقال: أَوَكلّكم رأيه على هذا؟ قلنا: نعم. فقال: والله لأن أَخِرّ من السماء فتخطفني الطير أحب إلي من أن يكون هذا رأيي، أيها الناس إن قل عددكم وكثر عدوكم ركب الشيطان منكم هذا المركب، والله ليظهرن اللهُ هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون، قوله الحق ووعده الصدق، ﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨﴾ [الأنبياء: 18]. ﴿كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩﴾ [البقرة: 249]. وتالله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه واستعنت الله عليهم وهو خير معين.
وهكذا سائر ما يقع بين المتقدمين والمتأخرين من الحوادث المفاجئة التي تعزب فيها الأفهام؛ لأن الحفظ يحضر ويغيب ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ والناس يتفاوتون في العلوم والأفهام وفي الغوص إلى استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام، فتأخذ العيون والآذان من الكلام على قدر العقول والأذهان فيتحدث كل إنسان بما فهمه على حسب ما وصل إليه علمه وعادم العلم لا يعطيه وكل إناء ينضح بما فيه.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق " / [رد سماحة الشيخ على رسالة: الاحتفال بذكر النعم واجب] - المجلد (4)