الرد على استدلال الشيخ عبد العزيز بحديث أبي ذر

قال الشيخ عبد العزيز بن رشيد فيما نقله عن الشيخ تقي الدين رحمه الله في كتاب الجواب الصحيح ما نصه: «وقد روي في حديث أبي ذر، عن النبي ﷺ أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. وبعض الناس يصحح هذا الحديث وبعضهم يضعفه..» ثم نقل عن ابن القيم رحمه الله أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا على ما في حديث أبي ذر الذي رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. فالجواب: أن الشيخ عبد العزيز يحاول رفع هذا الحديث الموضوع إلى درجة الصحة لكونه يقوي حجته، ومن له برفع أنف جدعته المخالب.. وإن كان شيخ الإسلام ذكر هذا الحديث في الجواب الصحيح، فإن ما ذكره بصفة التمريض الدالة على التضعيف مع العلم أنه محك التمحيص للتصحيح والتضعيف، ونستبعد جدًّا من شيخ الإسلام ابن تيمية تصحيحه لهذا الحديث الذي يشهد القرآن بوضعه وبطلانه، وقد ألحقه ابن الجوزي بالموضوعات، وكل عالم نِحرير متى درس هذا الحديث ترجح لديه عدم نسبته إلى الرسول، لكونه لا يشبه كلامه. ونحن نسوقه بتمامه للإحالة عليه ولحقيقة النظر لمن يحب الوقوف عليه. قال ابن كثير: وقد اختُلف في عدد الأنبياء والمرسلين، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه في تفسيره عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا». قلت: يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير». قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: «آدم». قلت: يا رسول الله نبي مرسل؟ قال: «نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه، ثم سوّاه قبيلا» ثم قال: «يا أبا ذر أربعة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ -وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم- وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك. يا أبا ذر وأول نبي من بني إسرائيل: موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم وآخرهم نبيّك» قال: وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان وقد وسمه بالصحة، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي؛ فذكر هذا الحديث في الموضوعات، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ابن كثير، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، من أجل هذا الحديث والله أعلم.. انتهى. وأقول: كيف لا نتكلم في هذا الحديث بما يقتضيه من التضعيف نصيحة لله ولعباده المؤمنين؟ وحسبك أنه يصادم القرآن مما يدل على وضعه وعدم صحته؛ لمخالفته صريح القرآن، فقد قال سبحانه: ﴿وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ...﴾ [النساء:164]. وفي قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَ﴾ [المؤمن: 78]. وهاتان الآيتان تنصّان على أن الله سبحانه لم يقص على نبيه أسماء الأنبياء كلهم، بل منهم من قص عليه ومنهم من لم يقصص عليه، فيعتبر الإحصاء المذكور في حديث أبي ذر كذب على الله وعلى رسوله.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك الخامس: الاعتماد على حديث أبي ذر في عدد الأنبياء و الرسل. والحديث ضعيف موضوع ] - المجلد (1)