إشكالية تنازع المُؤمِّن والمُؤمَّن له عند القاضي

في حالة الإصرار على الامتناع تستدعيهما (أي المُؤمِّن والمُؤمَّن له) الحاجة والضرورة إلى الترافع إلى القاضي الشرعي ليقطع عنهما النزاع ويريحهما من مشقة الخصام بالحكم بالعدل. أفترى هذا القاضي يحكم بالتزام الملتزم بدفع ما التزم به على نفسه، سواء كان أربعين أو خمسين ألفًا إلى ورثة المؤمِّن على حياته، أم تراه يرد الأشياء إلى أصولها والفروع إلى نصوصها، فيحكم بإرجاع ما قبضه كل واحد منهما، ثم التحاسب فيما لكل واحد منهما أو عليه لا وكس ولا شطط، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩﴾ [البقرة: 279]. وكيف ننسى في مثل هذه القضية حكم رسول الله ﷺ وقضاءه في وجوب رد المال على صاحبه عند تعذر أخذ عوضه؟! كما روى مسلم في صحيحه عن جابر، أن النبي ﷺ قال: «لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا؛ بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟». فهذا حكم رسول الله في مثل هذا العقد الواقع صحيحًا في بداية الأمر وبطريق الرضا والاختيار من كل منهما، ولكنه لمّا لم يقبض عوض ما اشتراه القبض التام الذي يحصل به الانتفاع حكم رسول الله برد الثمن على صاحبه، وكونه لا يحل للبائع أن يأكل مال أخيه بغير حق، والذي لا يحل هو الحرام لكون الأموال محترمة لا يحل أخذها إلا عن طريق الحق. أفترى شرع الإسلام المبني على مصالح الخاص والعام وعلى حفظ الدماء والأموال، أفتراه يحكم بفسخ هذا العقد ووجوب رد الثمن على المشتري كاملاً لمّا لم يتحصل على قبض ما اشتراه، ثم يبيح أخذ هذا المال الكثير بدون مقابل من العوض ما عدا الالتزام على نفسه به؟! فلا يقول بصحة هذا العقد وإباحة ما يترتب عليه من العوض إلا من يقول بصحة عقد الميسر، أي القمار وإباحة ما يترتب عليه من المال، إذ هما في الحكم سواء والكل واقع بالتراضي بينهما.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " أحكام عقود التأمين ومكانها من شريعة الدين " / التأمـين على الحيـاة وبيان بطلانه بالبراهين والبيانات - صفة عقد التأمين على الحياة || المجلد (4)