تميز الحنابلة عن غيرهم في مسائل تظهر مسايرتهم للمستجدات
منها بيع العربون وهو أن يشتري شيئًا فيسلم بعض ثمنه ويقول: إن جئتك ببقية الثمن وإلا فالعربون لك.
فقد قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: هذا لا يصح لأنه بمثابة الخيار المجهول.
أما الإمام أحمد، فقد قال: لا بأس به وفعله عمر وأجازه ابن عمر، وضعّف حديث النهي عن بيع العربون.
ومنها لو اشترطت الزوجة في صلب العقد بألا يتزوج عليها أو ألا يتسرى عليها أو ألا يخرجها من دار أهلها أو بلدها ونحو ذلك.
فقد قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: هذا شرط باطل لحديث «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط»، وحديث «إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا»، وهذا الشرط يقتضي تحريم الحلال من التزوج بغيرها أو التسري أو السفر.
أما الإمام أحمد، فقد قال بصحة هذا الشرط ولزومه، وأنه إن لم يَفِ به فلها الخيار بين البقاء أو فسخ النكاح؛ لما روى البخاري أن النبي ﷺ قال: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وحديث: «المسلمون على شروطهم».
والقول بصحة هذا الشرط ولزومه يروى عن عمر وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعًا.
وتزوج رجل بامرأة واشترطت عليه دارها فأراد نقلها بغير اختيارها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إذًا يطلقننا. فقال عمر: إنما مقاطع الحقوق عند الشروط.
فهذه العقود والمشاركات والشروط وما يترتب عليها من الالتزامات والضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التي يقاس بعضها على بعض في الإباحة لملاءمتها للمعاملات المستحدثة في هذا العصر والتي لا توجد عند غيره من الأئمة.
وكل ما يصححه من العقود والشروط، فإن لديه دليلاً خاصًّا من أثر أو قياس لكونه يستنبط دلائل مذهبه من مسنده وقد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبي ﷺ وعن الصحابة ما لم يبلغ غيره من الأئمة فقال به.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " أحكام عقود التأمين ومكانها من شريعة الدين " / التأمين على السّيارات - تسامح مذهب الحنابلة في تقبل التأمين على السيارات وكثير من العقود والشروط والمعاملات || المجلد (4)