عقوبة قارون والعبر المستخلصة من قصته
إن كل ما ورد في ذم قارون، وعقابه على كثرة ماله وفساد أعماله، فإنه منطبق بالدلالة والمعنى على كل من اتصف بصفاته وعمل بمثل أعماله؛ لأن الاعتبار في القرآن هو بعموم لفظه لا بخصوص سببه، فهو يتمشى على حد:
إياك أعني واسمعي يا جارة
وخير الناس من وُعظ بغيره، فهذا الوصف ينطبق على كل تاجر وسّع الله عليه من صنوف نعمه وفضّله بالغنى على كثير من خلقه، ثم يجمد قلبه على حب ماله، وتنقبض يده عن أداء زكاته وعن الصدقة منه والصلة لأقاربه، والنفقة في وجوه البر والخير الذي خلق لأجله، فمن كانت هذه صفته فإنه أخ قارون في كثرة ماله وفساد أعماله.
فبالله قل لي كيف: كان عاقبة أمره؟ أُجبك بأن الله سبحانه أمر الأرض أن تخسف به وبماله، قال الله تعالى: ﴿فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ ٨١ وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨٢﴾ [القصص: 81-82]. خسف الله الأرض بقارون وبماله، وما الخسف ببعيد عن أمثاله من التجار الذين جحدوا نعمة الله عليهم، ومنعوا زكاة أموالهم، ونسو ا أمر آخرتهم، تسمع بعشرات الملايين أو مئات الملايين أو ألوف الملايين عند أحدهم، ولكنك لا تسمع بمن يؤدي الزكاة منهم، ثم سرت عدوى منع الزكاة من بعضهم إلى بعض، فهؤلاء إن لم يُخسف منهم بالأبدان، فإنه قد يخسف منهم بنور الإيمان، ومن المعلوم أن الخسف بالإيمان أضر من الخسف بالأبدان، فيبقى سيئ الحال جموعًا منوعًا، يبغض الناس ويبغضونه، ولهذا ختم الله هذه الآيات بقوله: ﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ٨٣﴾ [القصص: 83].
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الاشتراكية الماركسية ومقاصدها السيئة / " دين الإسلام ليس بدين رأسمالي ولا بدين اشتراكي " - المجلد 3