الصالحون من قوم موسى ينصحون قارون ويعظونه
ولما رأى الناصحون الصالحون من قوم موسى ما فعله قارون من الطفور والطغيان، ومجاوزة الحد في البغي والعدوان، أخذوا في وعظه ونصحه؛ لأن بقاء الأمم -في قديم الزمان وحديثه- ببقاء الصالحين الناصحين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولأن إنكار المنكرات هو مما يقلل فشوها وانتشارها، يقول الله تعالى: ﴿فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡ﴾ [هود: 116].
ولهذا قالوا في نصيحتهم وإرشادهم: ﴿لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ ٧٦﴾ [القصص:76]. فالفرح المذموم هو الذي يفضي بصاحبه إلى الأشر والبطر والفجور والغرور، وغالبًا ما ينشأ عن الزهو بالدنيا وزينتها. وكان النبي ﷺ إذا رأى شيئًا من زهرة الدنيا وزينتها فأعجبه قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» وقال: «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكلّ نعيمٍ لا محالة زائلُ».
ثم قالوا: ﴿وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾ [القصص: 77]. يعني أن من وسّع الله عليه بالغناء بالمال، فإن من واجبه أن يتزود من دنياه لآخرته، يعني مال الإنسان ما قدم، وفي الحديث «يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت!» ، وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للورثة، والدنيا مزرعة الآخرة، تزرع فيها الأعمال الصالحة من خرج منها فقيرًا من الحسنات ورد الآخرة فقيرًا وساءت مصيرًا.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الاشتراكية الماركسية ومقاصدها السيئة / " دين الإسلام ليس بدين رأسمالي ولا بدين اشتراكي " - المجلد 3