عطف الرسول على النبيء بالواو التي تفيد المغايرة
جميع الناس من الأولين والآخرين يُسألون يوم القيامة ويُقال لهم: ماذا كنتم تعملون ﴿مَاذَآ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٦٥﴾ [القصص: 65].
ولهذا يقول الله تعالى يوم القيامة: ﴿يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ ١٣٠﴾ [الأنعام: 130]. فذكر الرسل ويعني بهم الأنبياء. فإن قيل: في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٢﴾ [الحج: 52]. فعطف بالنبي على الرسول بالواو المفيدة للمغايرة فكأن النبي غير الرسول.
فالجواب: أن مثل هذا يقع كثيرًا في القرآن وفي السنة، يعطف بالشيء على الشيء ويراد بالتالي نفس الأول، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ﴾ [الأحزاب:35]. فغاير بينهـما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون، فلا يقال: فلان مسلم وليس بمؤمن ولا أنه مؤمن وليس بمسلم، وإنما هو تنوع اسم والمسمى واحد. نظيره قوله تعالى: ﴿قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٩٧ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ ٩٨﴾ [البقرة: 97-98]. فعطف بجبريل وميكال على الملائكة وهما منهم. والنبي ﷺ قال: «فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» مثله قول أحدنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وغير ذلك من الألفاظ التي يعطف بعضها على بعض ويراد بالتالي نفس الأول.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء / " كل نبي أو رسول مأمور بتبليغ ما أوحي إليه " - المجلد 1