الإسراء معجزة عظمى

أثبت القرآن أن الله أسرى بنبيّه ورسوله محمد، ليلاً من المسجد الحرام. فقيل: أُسري به من الحجر. وهو الصحيح. وقيل: من بيت أم هانئ، إلى المسجد الأقصى الذي هو بيت المقدس. وهذا الإسراء معجزة عظمى، خارقة للعادة، والمعجزة كاسمها، بحيث يعجز الناس عن معارضتها، والإتيان بمثلها، وهي تدل على صدق نبوة من أتى بها. وذكر أنه أوتي بالبراق، وهو دون الفرس، وفوق الحمار، وسمّيَ براقًا، لأنه مشتق من البرق في سرعته، ليريه من آياته وعجائب مخلوقاته في المسجد الأقصى، وفي السماء، وأنه من بعد وصوله إلى بيت المقدس صلى بالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وصلاته بهم، إنما هي بأرواحهم، وإلا فإنهم قد دفنوا في الأرض. ثم إنه عُرج به إلى السماء في صحبة جبريل عليه السلام، فاستفتح السماء الدنيا، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أأرسل إليه؟ قال: نعم. فقالوا: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء. ثم استفتح كل سماء مثل هذا، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، وفرض الله عليه الصلوات الخمس مع فرض الوضوء على القول الصحيح. فقال: هي خمس، وهي خمسون -أي في مضاعفة الأجر- والصحيح من أقوال العلماء، ومن نصوص القرآن والسنة: أن الرسولﷺ لم ير ربه تلك الليلة، لكون رؤية الرب مستحيلة في الدنيا، كما حكى الله عن نبيّه موسى -عليه السلام- أنه قال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143]. يقول الله سبحانه: ﴿۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ ٥١﴾ [الشورى: 51]. ولمّا سئل النبي ﷺ: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنّى أراه»، أي حال دون رؤيته نور. قالت عائشة: من حدثكم أن رسول الله ﷺ رأى ربه فقد أعظم الفرية عليه، ثم استدلت بقوله: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣﴾ [الأنعام: 103]. وأما قوله سبحانه: ﴿لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ ١٨﴾ [النجم: 18]. فإنه جبريل حين رآه في صورته التي خلقه الله عليها، بمنظر عظيم هائل.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " الإيمان بالإسراء بنبينا محمد ﷺ [ قبس من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ] " - المجلد (1)