أحكام العهد في الإسلام

ثم تكلم (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) على أول سورة براءة ثم قال: فدلت الآيات على أن البراءة كانت إلى المعاهدين الذين لهم عهد مطلق غير مؤقت، أو كان مؤقتًا ولم يوفوا بموجبه، بل نقضوه. وهنا للفقهاء ثلاثة أقوال: قيل: لا يجوز العهد المطلق، كما يقوله الشافعي في قول وطائفة من أصحاب أحمد. وهؤلاء يقولون: إنما قال النبي ﷺ لليهود: «نقركم ما أقركم الله». لأن الوحي كان ينزل. ثم العهد المؤقت قد يجوز للإمام أن ينقضه بلا سبب، كما يحكى عن أبي حنيفة. وهؤلاء قد يحتجون بقوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾ [الأنفال: 58]. فإن هؤلاء عهدهم كان مؤقتًا ونقضه. والثالث وهو قول الأكثرين أنه يجوز المطلق والمؤقت، وأن المؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به، ما لم ينقضه العدو، ولِمَا يجب الوفاء بسائر العهود اللازمة. وأما المطلق فهو عقد جائز إن شاء فسخه وإن شاء لم يفسخه، كما في العقود الجائزة، كالوكالة والشركة ونحو ذلك. وهذا هو القول الآخر في مذهب أحمد، وهو قول الشافعي. والآية تدل على هذا القول، فإن الله أمره بنبذ العهود إلا من كان له عهد إلى مدة ثم وفى بموجبه، فلم يترك ما أوجبه العهد، فلم ينقض شيئًا ولا أعان عدوًّا.
مجموع رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله | رسالة "الجهاد المشروع في الإسلام"/ "قاعدة في قتال الكفار.. لشيخ الإسلام ابن تيمية"