لكل مقام مقال
على فرض صحة الأثر عن ابن عباس (من اعتباره الطلاق بالثلاث ثلاثا)، فإنه محمول على كونه أفتى به في خلافة عمر، فلا ينبغي أن يخالفه في أمر أراد عمر أن يؤدب به رعيته، ليرجعوا إلى الطلاق الشرعي الذي يملك به الرجل عصمة امرأته. ﴿لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾ [الطلاق: 1].
لكنة انقلب الأمر بعد أمير المؤمنين عمر، حيث جعل الناس هذا الطلاق البدعي هو السُّنِّي، وأصبحوا لا يعرفون غيره، شبّ عليه الصغير وهرم عليه الكبير حتى نسوا معالم الطلاق الشرعي وآدابه.
ثم إن هذا الأثر عن ابن عباس يؤكد صحة ما قلنا، من أن الطلاق بالثلاث جميعًا هو بدعة ومنكر من القول وزور. وقد قال ابن عباس لمن سأله عنه: أنت عصيت ربك. وكفى بمعصية الله إثمًا. ثم قال: وإنك لم تتق الله - أي بامتثال أمره واجتناب نهيه - فلم يجعل لك فرجًا ولا مخرجًا؛ لكون الناس زمن الرسول ﷺ وأصحابه وزمن نزول القرآن يعرفون الطلاق الشرعي ويوقعونه على حسبه عند حاجتهم إليه، وإن أوقعوه جميعًا جعلوه عن واحدة، كما جرى لطلاق أبي ركانة، وطلاق أبي حفص لزوجته فاطمة بنت قيس، وطلاق صهر معقل بن يسار. وحيث شبّ الناس على هذا الطلاق البدعي من لدن أتباع الأئمة، وصاروا لا يعرفون غيره، فإنه ينبغي أن يجاب السائل بما أنزل إليه من ربه، لكون العامي مشتق من العمى، والله تعالى يقول: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٤٣ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤﴾ [النحل: 43-44].
ولكل مقام مقال.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / فتوى ابن عباس في وقوع الطلاق بالثلاث || المجلد (2)