الطلاق الواقع بالثلاث طلاق بدعي

قد علمنا أن الناس قد تربوا على إيقاع الطلاق البدعي الواقع بالثلاث جميعًا، ويحسب أكثرهم أن هذا هو الطَّلاق الشرعي، لكون أكثر العلماء في بعض البلدان يحكمون بصحته ولزومه. وإن هذا الطلاق الواقع بالثلاث جميعًا قد صار معرك جدل بين العلماء من قديم الزمان وحديثه، بحيث تتناوبه فكرة المقلدين لأئمة مذاهبهم، كما تتناوبه فكرة المجتهدين المتمسكين بالكتاب والسنة. فالمقلدون يرون أنه متى وقع الطلاق بالثلاث جميعًا بلفظ واحد، أو بألفاظ متعددة، في طهر واحد، فإنهم يحكمون بصحة هذا الطلاق ولزومه، وكونه طلاقًا بائنًا لا رجعة فيه، ولا تَحِلُّ المرأة لزوجها إلا بعد نكاح زوج غيره. ثم هم يحكمون بسقوط نفقتها وسكناها على الزوج، لاعتبار أنها مبتوتة، فلا سُكنى لها ولا نفقة، ويستدلون لذلك بما روى مسلم من حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أبا حفص طلقها ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله ﷺ نفقة ولا سكنى، والحديث صحيح، لكن مطابقته للمبتوتة غير صريح ولا صحيح كما سيأتي بيانه. فهم يسرحون هذه المبتوتة إلى أهلها بخُفي حُنين، ويجمعون لها بين الحشف وسوء الكيل والتسريح بالإساءة، فلا نفقة ولا سكنى ولا رجعة. أما المجتهدون فإنهم يقولون: نحن متبعون للكتاب والسنة ولسنا بمبتدعين، ولم نجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ طلاق المبتوتة بهذه الصفة، فمتى طلق أحد امرأته بالثلاث بلفظ واحد أو بألفاظ متعددة، لكنه في طهر واحد، فإننا نحكم في هذا الطلاق بجعله عن طلقة واحدة، تأسيًا بحكم رسول الله ﷺ في طلاق أبي ركانة حيث طلق امرأته ثلاثًا جميعًا في مجلس واحد، فحزن عليها، فقال له رسول الله ﷺ: «إنها واحدة، راجع امرأتك». فراجعها. فهذا حكم رسول الله ﷺ وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / مقدمة الرسالة || المجلد (2)